الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
قال ابن العربي: للجوع حال ومقام، فحاله الخشوع والخضوع والذلة والافتقار وعدم الفضول وسكون الجوارح وعدم الخواطر الرديئة. هذا حال الجوع للسالكين أما حاله للمحققين فالرقة والصفاء والمؤانسة والتنزه عن أوصاف البشرية بالعزة الإلهية والسلطان الرباني، ومقامه المقام الصمداني، وهو مقام عال له أسرار وتجليات، فهذا فائدة الجوع للمريد لا جوع العامة فإنه جوع صلاح المزاج وتنعيم البدن بالصحة فقط. والجوع يورث معرفة الشيطان. اهـ. - (هب عن عائشة) وفيه ابن لهيعة. 1388 - (أكثرت عليكم) في استعمال (السواك) أي في شأنه وأمره وبالغت في تكرير طلبه منكم. وحقيق أن أفعل، أو في إيراد الأخبار بالترغيب فيه وحقيق أن تطيعوا، أو أطلت الكلام فيه وحق له ذلك لكثرة فوائده وجموم فضائله، فمنها كما في الرونق: أنه يطهر الفم ويرضي الرب ويبيض الأسنان ويطيب النكهة ويشد اللثة ويصفي الحلق ويذكي الفطنة ويقطع الرطوبة ويحد البصر ويبطئ بالشيب ويسوي الظهر ويضاعف الأجر ويسهل النزع ويذكر الشهادة عند الموت وغير ذلك، قالوا: والحث عليه بتناول الفعل عند كل الصلوات والجمعة أولاها لأنه يوم ازدحام فشرع فيه تنظيف الفم تطيباً للنكهة الذي هو أقرب من الغسل. حكى الكرماني أنه روى بصيغة المجهول قال الطيبي: وفائدة هذا الأخبار مع كونهم عالمين إظهار الاهتمام بشأنه وتوخي ملازمتهم إياه لكونه مطهرة للفم مرضاة للرب. - (خ ن عن أنس) بن مالك. 1389 - (أكثر أن تقول سبحان الملك القدوس) المنزه عن سمات النقص وصفات الحدوث (رب الملائكة والروح) عطف خاص على عام وهو جبريل أو ملك أعظم خلقاً أو حاجب اللّه الذي يقوم بين يديه أو ملك له سبعون ألف وجه ولكل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح اللّه بها يخلق مع كل تسبيحة ملكاً يطير مع الملائكة أخرجه ابن جرير عن علي بسند ضعيف (جللت) أي عممت وطبقت (السماوات والأرض بالعزة) أي بالقوة والغلبة (والجبروت) فعلوت من الجبر وهو القهر، وهذا الحديث قد بوب عليه في الأذكار: باب ما يقوله من بلي بالوحشة. - (ابن [ص 83] السني والخرائطي في مكارم الأخلاق) أي في كتابه المؤلف فيها (وابن عساكر) في تاريخه كلهم (عن البراء) بن عازب قال أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم رجل يشكو إليه الوحشة فقال أكثر. إلخ، فقالها الرجل فذهبت عنه الوحشة، ورواه عنه أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب. 1390 - (أكثر من الدعاء فإنه يرد القضاء المبرم) أي المحكم: يعني بالنسبة لما في لوح المحو والإثبات أو لما في صحف الملائكة لا للعلم الأزلي فإنه لا زيادة فيه ولا نقص. قال القاضي: والقضاء هو الإرادة الأزلية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص، والقدر تعلق تلك الأشياء بالإرادة في أوقاتها. اهـ. وابرام الشيء إحكامه. قال في الصحاح: أبرم الشيء أحكمه قال الزمخشري: ومن المجاز أبرم الأمر وأمر مبرم. - (أبو الشيخ [ابن حبان] في الثواب عن أنس) وفيه عبد اللّه بن عبد المجيد أورده الذهبي في الضعفاء. وقال قال ابن معين ليس بشيء ورقم علامة الشيخين ولقد أبعد المصنف النجعة حيث عزاه لأبي الشيخ مع وجود لبعض المشاهير الذين وضع لهم الرموز وهو الخطيب في التاريخ باللفظ المزبور عن أنس المذكور. 1391 - (أكثر من السجود) أي من تعدده بالإكثار من الركعات أو من إطالته، والأول هو الملائم لقوله (فإنه) أي الشأن (وليس من مسلم يسجد للّه تعالى سجدة) صحيحة (إلا رفعه اللّه بها درجة في الجنة) التي هي دار الثواب (وحط عنه بها خطيئة) أي محا عنه بها ذنباً من ذنوبه فلا يعاقبه عليه ولا بدع في كون الشيء الواحد يكون رافعاً ومكفراً كما سبق ويجيء - (ابن سعد) في الطبقات (حم) كلاهما (عن أبي فاطمة) 1392 - (أكثر) يا عباس (الدعاء بالعافية) أي بدوامها واستمرارها عليك فإن من كملت له العافية علق قلبه بملاحظة مولاه وعوفي من التعلق بسواه. قال الديلمي، وهذا قاله لعمه حين قال يا رسول اللّه علمني شيئاً أسأله اللّه. - (ك عن ابن عباس) قال قال النبي صلى اللّه عليه وسلم لعمه: يا عم أكثر إلخ ورواه عنه الطبراني باللفظ المزبور قال الهيثمي وفيه عند هلال بن جناب وهو ثقة وضعفه جمع وبقية رجاله ثقات. 1393 - (أكثر الصلاة) النافلة التي لا تشرع لها جماعة (في بيتك) أي في محل سكنك بيتاً أو غيره (يكثر خير بيتك) لعود بركتها عليك (وسلم على من لقيت من أمتي) أمتي الإجابة (تكثر حسناتك) بقدر إكثارك السلام على من لقيته منهم عرفته أم لم تعرفه، فالسلام سنة مؤكدة محثوث عليها. - (هب عن ابن عباس) الذي وقفت عليه في الشعب إنما هو عن أنس، ثم إن فيه محمد بن يعقوب الذي أورده الذهبي في الضعفاء وقال له مناكير وعلي بن الجند قال في الذيل قال البخاري منكر الحديث وقال أبو حاتم خبره موضوع وفي اللسان كأصله نحوه وعمرو بن دينار متفق على ضعفه. 1394 - (أكثر من) قول (لا حول) أي تحويل للعبد عن معصية اللّه (ولا قوة) على طاعته (إلا باللّه) أي إلا بأقداره وتوقيفه [ص 84] (فإنها) أي الحوقلة (من كنز الجنة) يعني لقائلها ثواب نفيس مدخر في الجنة فهو كالكنز في كونه نفيساً مدخراً لاحتوائها على التوحيد الخفي لأنه إذا نفيت الحيلة والاستطاعة عنه وأثبت للّه وحده على سبيل الحصر لم يخرج عن ملكه وملكوته. - (ع طب عن أبي أيوب) الأنصاري. 1395 - (أكثر ذكر الموت) في كل حال وعند نحو الضحك وعروض العجب وما أشبه ذلك آكد (فإن ذكره يسلبك) من السلو وهو الترك بلا ندامة، وفي تذكرة القرطبي قيل يا رسول اللّه، هل يحشر مع الشهداء أحد؟ قال نعم من يذكر الموت في اليوم والليلة عشرين مرة. وقال السدي في قوله تعالى - (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في ذكر الموت) أي كتابه المصنف فيما ورد من ذلك (عن سفيان) الثوري أحد أعلام الأمة وزهادها قالوا لم ير مثله (عن شريح) بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية وبالمهملة ابن الحارث القاضي (مرسلاً) ولاه عمر قضاء الكوفة سمع عمرو وعلياً فهو تابعي. 1396 - (أكثروا ذكر هاذم) بذال معجمة قاطع أما بمهملة فمعناه مزيل الشيء من أصله (اللذات الموت) بجره عطف بيان وبرفعه مبتدأ محذوف وبنصبه بتقدير أعني. قال الطيبي: شبه اللذات الفانية والشهوات العاجلة ثم زوالها ببناء مرتفع ينهدم بصدمات هائلة ثم أمر المنهمك فيها بذكر الهاذم لئلا يستمر على الركون إليها ويشتغل عما عليه من التردد إلى دار القرار وفيه ندب ذكر الموت بل أكثريته لأنه أزجر للمعصية وأدعى للطاعة. - (ت ن ه ل هب عن أبي هريرة طس حل هب عن أنس) بن مالك (حل) عن عمر بن الخطاب. 1397 - (أكثروا ذكر اللّه حتى يقولوا) يعني المنافقين ومن ألحق بهم فمن استولت عليهم الغفلات واستغرق في اللذات وترك الآخرة وراء ظهره وانهمك في فسقه في سره وجهره وإن مكثر الذكر (مجنون) وفي رواية لعبد بن حميد حتى يقال إنه مجنون أي لا تلتفتوا لعذلهم الناشئ عن مرض قلوبهم لعظم فائدة الذكر إذ به يستنير القلب ويتسع الصدر ويمتلئ فرحاً وسروراً وشرف الذكر تابع لشرف المذكور وشرف العلم تابع لشرف المعلوم وشرف الشيء بسبب الحاجة إليه وليست حاجة الأرواح بشيء أعظم من ذكر بارئها والابتهاج به. قال في الأذكار لا إله إلا اللّه رأس الذكر ولذلك اختار السادة الأجلة من صفوة هذه الأمة أهل تربية السالكين وتأديب المريدين قول إلا إله إلا اللّه لأهل الخلوة وأمرهم بالمداومة عليها وقالوا أنفع علاج في ذكر الوسوسة الإقبال على ذكر اللّه وإكثاره وأخذ المؤلف من هذا الحديث ونحوه أن ما اعتاده الصوفية من عقد حلق الذكر والجهر به في المساجد ورفع الصوت بالتهليل [ص 85] لا كراهة فيه - هذا مردود بقوله صلى اللّه عليه وسلم جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم. الحديث- ذكره في فتاويه الحديثية وقد وردت أخبار تقتضي ندب الجهر بالذكر وأخبار تقتضي الإسرار به والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص كما جمع النووي به بين الأحاديث الواردة بندب الجهر بالقراءة والواردة بندب الإسرار بها. - (حم ع حب ك هب عن سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته وهو فيه تابع لتصحيح الحاكم له وقد اقتصر الحافظ ابن حجر في أماليه على كونه حسناً وقال الهيثمي بعدما عزاه لأحمد وأبي يعلى فيه دراج ضعفه جمع وبقية رجال أحد إسنادي أحمد ثقات. 1398 - (أكثروا ذكر اللّه حتى يقول المنافقون إنكم مراؤون) أي إلى أن يقول إن إكثاركم لذكره إنما هو رياء وسمعة لا إخلاصاً يعني أكثروا ذكره وإن رموكم بذلك فإنه لا يضركم كيدهم شيئاً واللّه مع الصابرين الذاكرين. - (ص حم في الزهد) أي في كتاب الزهد له (هب عن أبي الجوزاء) بفتح الجيم وسكون الواو وبالزاي واسمه أوس بفتح الهمزة وسكون الواو ابن عبد اللّه الربعي بفتح الراء المشددة والموحدة تابعي كبير. 1399 - (أكثروا ذكر هاذم اللذات) قال الغزالي: أي نغصوا بذكره لذاتكم حتى ينقطع ركونكم إليها فتقبلوا على اللّه (فإنه) أي الموت (لا يكون في كثير) من الأمل والدنيا (إلا قللّه) أي صيره قليلاّ (ولا في قليل) من العمل (إلا أجزله) أي صيره جليلاً عظيماً كثيراً فإن العبد إذا قرب من نفسه موته وتذكر حال أقرانه وإخوانه الذين عافصهم الموت في وقت لم يحتسبوا أثمر له ما ذكر قالوا هذا الحديث كلام مختصر وجيز قد جمع التذكرة وأبلغ في الموعظة فإنه من ذكر الموت حقيقة ذكره نقص لذته الحاضرة ومنعه من تمنيها أجلاً وزهده فيما كان حقيقة منها يؤمل لكن النفوس الراكدة والقلوب الغافلة تحتاج إلى تطويل الوعظ وتزويق الألفاظ وإلا ففي قوله عليه الصلاة والسلام أكثروا إلى آخره مع قوله تعالى - (هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال مر النبي صلى اللّه وسلم بمجلس من مجالس الأنصار وهم يمزحون ويضحكون فذكره رمز المصنف لحسنه والأمر بخلافه فقد قال ابن الجوزي حديث لا يثبت. [ص 86] 1400 - (أكثروا ذكر هاذم) بذال معجمة قاطع وبمهملة مزيل وليس مراداً هنا كذا في روض السهيلي قال ابن حجر وفي ذا النفي نظر (اللذات) الموت (فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه) قال العسكري لو فكر البلغاء في قول المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ذلك لعلموا أنه أتى بهذا القليل على كل ما قيل في ذكر الموت ووصف به نظماً ونثراً ولهذا كان عيسى عليه السلام إذا ذكر عنده الموت يقطر جلده دماً قيل ولا يدخل ذكر الموت بيتاً إلا رضي أهله بما قسم لهم وقال أبو نواس. ألا يا ابن الذين فنوا وماتوا * أما واللّه ما ماتوا لتبقى وقال أبو حمزة الخراساني: من أكثر ذكر الموت حبب إليه كل باق وبغض إليه كل فان. وقال القرطبي: ذكر الموت يورث استشعار الانزعاج عن هذه الدار الفانية والتوجه في كل لحظة إلى الآخرة الباقية ثم إن الإنسان لا ينفك عن حالين ضيق وسعة ونعمة ومحنة فإن كان في حال ضيق ومحنة فذكر الموت يسهل عليه ما هو فيه من الاغترار بها والركون إليها. وقال الغزالي: الموت خطر هائل وخطب عظيم وغفلة الناس عنه لقلة فكرهم فيه وذكرهم له ومن يذكره ليس يذكره بقلب فارغ بل مشغول بالشهوات فلا ينجع ذكره فيه فالطريق أن يفرغ قلبه عن كل شيء إلا ذكر الموت الذي هو بين يديه كمن يريد السفر فإذا باشر ذكر الموت قلبه أثر فيه فيقل حركته وفرحه بالدنيا وينكسر قلبه وأنفع طريق فيه أن يذكر أشكاله فيتذكر موتهم ومصرعهم تحت التراب ويتذكر صورهم في أحوالهم ومناصبهم التي كانوا عليها في الدنيا ويتأمل كيف محى التراب حسن صورهم وتبددت أجزاؤهم في قبورهم ويتموا أولادهم وضيعوا أموالهم وخلت مجالسهم وانقطعت آثارهم. - (حب هب عن أبي هريرة) قال مر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بمجلس وهم يضحكون فذكره وفيه عبد العزيز بن مسلم أي المدني أورده الدارقطني والذهبي في الضعفاء والمتروكين وقال لا يعرف ومحمد بن عمرو بن علقمة ساقه فيهم أيضاً وقال قال الجرجاني غير قوي وقواه غيره (البزار عن أنس) قال الهيثمي كالمنذري وإسناده حسن انتهى وبذلك يعرف ما في رمز المصنف لصحته. 1401 - (أكثروا ذكر الموت فإنه) أي ذكره (يمحص الذنوب) أي يزيلها (ويزهد في الدنيا فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم) وذلك لأن نور التوحيد في القلب وفي الصدر ظلمة من الشهوات فإذا أكثر الإنسان ذكر الموت بقلبه انقشعت الظلمة واستنار الصدر بنور اليقين فأبصر الموت وهو عاقبة الأمر فرآه قاطعاً لكل لذة حائلاً بينه وبين كل أمينة ورآها أنفاساً معدودة وأوقاتاً محدودة لا يدري متى ينفذ العدد وينقضي المدد فركبته أهوال الحط وأذهلته العبر وتردد بين الخوف والرجاء فانكسر قلبه وخمدت نفسه وذبلت نار شهوته فزهد في أمنيته ورضي بأدنى عيشته.
|